السبت، 24 أغسطس 2013

فنجان قهوة على أنغام البيانو...الجــزء الثاني

الجــزء الثاني  ...... بقلم : مهنــد فوده

مررت بجانبه مئات المرات ولم يطرق ببالي أن أقتحم أبوابه ...أوأتذوق نكهة القهوة في فنجانه ...واليوم فقط أدركت انه قد فات من عمري الكثير ...وان القهوة التي ارتشفتها فيه ليس لها مثيل ...زاد يقيني من ذلك ..بعد أن حلقت تلك الفراشة بجانبي ومست أجنحتها أوتار قلبي ..قبل أن تختفي بعودها الرقيق خلفه... قبل أن تثبت لي انه سيخضع بضخامته تلك تحت أصابعها ...وستخرج من أصابعه ما يعجز على أن يبدعه سواها ...

كنت أود أن أجلس معها عن قرب لأرى بعيني كيف ستروضـــه ..نظرت حولي ابحث عن طاولة أقرب ..وجدتها جميعاً مشغولـــة ...وبقيت على طاولتي ..ألعن حظي ومكاني....

بعيدة هي عن عيناي ...ولكنها حاضرة في أذناي ... لم أدري كم من قوالب السكر وضعت حينما بدأت هي بالعزف على البيانو ...ولا أتذكر سوى أن مذاق نكهته تلك ...لم أعهد مثلها من قبل ... بعد رشفة ورشفة ..شعرت بالقهوة تُسكِرُني رغم أنها ليست بكأس خمر ...لم أعد أرى شيئاً أمامي أبعد من فنجاني ...ولم يعد ضجيج ضحكات من حولي وهمهمات حديثهم يؤثر على إصغائي ...كأنه لا يخترق صمت المقهى سوى مقطوعة تولد للتو من تحت أصابعها ..مولودة حية  تتنفس الحاناً تسحرني......

جعلتني أحلق معها بعد أن اختفى فجأة سقف مقهانا ....وخيل إلي أني أسمع صوتها يحادثني على أنغامه ......لقد تركت أصابعه تعزف وحدها كما دربتها مراراً...وجاءت تلبي طلباً قرأته في عيني برقصة لي معها ...تعلقت بذراعي ...وصارت ترقص على وقع خطواتي وأنغامه دون أن تلمس قدماها الأرض كأن أجنحة ترفعها فوق أقدامــي .. مستلمة لي ...ذائبة في أحضاني ....

على وقع الخطوات الراقصة لم تتحدث شفتانا ...أسرتا الصمت فحكت لي بعضٍ من أسرارها عيناهــا ...ولكن نغمة نشاز صدرت من جيبي .. أفاقتني قبل أن تخبرني عيناها بكل ما تَكِنُه أسرارها....تباً لذلك اللعين الذي أضاعها مني .....

وضعت كل ما طالته أصابع يدي نقوداً من محفظتي ثمناً لما شربته ..ممتن...وعلى يقين أنه أقل كثيراً مما يستحقه فنجان القهوة .. قررت أن أقترب منها ...أن أدعوها ثانية لتكمل معي رقصتها ..أن تَدِّعَه وحده كما عَلمّته يعزف مقطوعتها  ...

ولكن شيئاً ما بدل مساري نحوها ...قاد قدمي نحو الباب ..بعد أن همس لي شيطاني عن حقيقة ما جَهلّتهُ بإرادتي ...انها لم تشعر بي ...ولم تراني ...اخبرني أنني كعادتي أهذي وحدي ...أكد لي انهــا سترفض دعوتي ولربمــا تظنني سكير مجنوناً ... ستكرهني حتماً و لابد أنها ستمقتني ...اللعنــة على شيطاني الذي لا يطاوعني ...

يسرق إرادتي ويوقف من إقدامي ...كم وددت أن أكون متهوراً ...أن لا أفكر بصوته الذي يدَّعِيه في أذني "عقلاً " وأتبع فقط قلبي وحده...خرجت من باب المقهى يائســـاً ..وقفت ارتكز على جدارٍ بجوار الباب ...أنفث غضبي في سيجارة لم يكن معي حتى ما يوقد شعلتها ...ومع ذلك اشتعلت بمجرد أن لمست شفتاي ...

رأيت دخانها يخرج من أنفي ثائراً غاضباً ..لا أدري أن كان حنقاً من فشلاً لا يفارقني ..أو إشفاقاً على أحوالي ...قبل أن يتلاشى الدخان من أمام نظري ..رأيتها مني تقترب ...فقلت لنفسي "ها قد عاد الهذيان وضرب رأسي ".. ورغم ذلك ابتسمت لها منتشياً بقدومها......وقررت سريعاً أن نتبادل أرقام الهواتف قبل أن تتلاشى مع بقايا الدخان وتختفي... ثم شكرتها على كل ما قدمته الليلة من أجلي ...

وتلاشى الدخان ومازالت أمام عيني مجسدة وماثلة أمامي ..وأنا في ذهول يتملكني , أقبلت هي على يدي تصافحها ..فاحتضن كف يدي يدها ليودعها ..ولكن كفي في الحقيقة أراد أن يتأكد من واقعية ملمسها ...
                                                                                              مهنـــد فوده




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق