السبت، 24 أغسطس 2013

فنجان قهوة على أنغام البيانو...

الجــزء الأول ...بقلم : نهلــة زيدان ..

منذ صافح نسيم الطريق ملامحى عندما خرجت من بيتى ... شعرت بدبيب غريب ينساب فى شرايينى ... لم تكن ملابسى ذلك اليونيفورم الأبيض والأسود كأصابع البيانو التى ألتقيها كل مساء ... أعزف عليها نبضاً جديداً لكل قلب عدا قلبى ... تردد فى عقلى صوت رجل الأمن على باب المقهى الذى أعمل به : (وكأنك سقطت من السماء الليلة) ... فانتشت خطواتى على طول الممر المؤدى لرفيقى المغنى الراقص فى ركن قصي ...

المكان مزدحم كعادته كل ليلة جمعة ... الطفل الشرعى لأحلام الأسبوع المرهقة ... ابتسامات جميلة ... كؤوس ملونة تنتهى على طاولات تستعمرها ضحكات شباب ... رائحة القهوة المميزة التى تتزاوج مع أشباح رجال معظمهم تجاوز خط الاستمتاع إلى الفهم المزعج للحياة ... ودخان ملون لأطعمة يبدو أنها رسول لرومانسية استبدال الشوكتين بواحدة بين شاب وفتاة ...

والبيانو لا يعرف الكذب ... حتى وإن لم يكن من يسمعنى عاشقاً للموسيقى فسوف يشعر بأنى أخاطبه وحده ... وحده من أعزف له حتى وإن لم أعرفه ... احترفت التعرف على ما يريدون ... نغمة واحدة بدت اليوم مختلفة حد الخروج عن السرب ... نغمة وسيمة شاردة ... وحيدة فى ألفة ... منسجمة فى حوار هادئ مع فنجان قهوة مرصع بأفكار تمنيت لو كنت جزءاً منها ... كنت أتأمله على استحياء من بعيد ... ورغم أن جسد الزان الأصم للبيانو كان يحجبه عنى إلا أن عيناى عرفت طريقاً لوجهه بين ثقوب الأرابيسك ... وأصابعى تتبع طريقاً آلياً تحفظه على البيانو ...
رسائل موجهة لشخص بعينه هذا المساء ... وجه جديد ... لكنه مختلف حد تغيير حياتى ... أو هكذا شعرت ... انساب صوت النادل المتطفل فى أذنى : (الوجوه الجديدة ليست لنا) ... لا تمر ليلة عادة حتى يشاغلنى المتطفلون ... كلمات سمجة وكروت شخصية متطايرة ... وأنا منكفئة على تلك التوليفة الرمادية ... أحاول تجاهل الضجيج العاطفى داخلى وحولى ... اليوم الأمر مختلف ...

هذا الرجل يقدم العالم فى عينيه حتى وإن لم ينظر إليّ ... شئ يشبه قراءة الطالع ... وفى هدوء مقطوعة (مونامور) ... أحسست ببرودة شال الحرير حول عنقى تنساب إلى قلبى ... تمنيت لو أرسلت له رقم هاتفى ... لو دعوته للعشاء أو حتى فنجان قهوته ذاك ... تمنيت لو تماديت فى غيى وطلبت منه أن يهبنى رقصة من حلم ... وتأكدت أنى سأنهال بين يديه شلال من الغيوم المسافرة ... فهو وطن وكل الشلالات تبحث عن وطن ... لكن كيف يمكننى أن أبادر ؟! فحتى مجرد ابتسامة قد تحسب عليّ ... وأنا أريد أن أنقل نسخة أمينة لمشاعر محترمة وليست محرمة ... من قال أن الرجل يجب أن يبدأ ؟! ما الضرر فى أن أقتحم ؟! ... فالفرصة قد لا تتكرر ... وما أشعر به ليس مجرد إعجاب بل تنويم مغناطيسى أسير فيه نحو ما يريد هذا الرجل ...

وحدى الليلة شربت كأساً مختلفاً حتى الثمالة ... ووحدى راودتتنى أحلام الاستقلال عن حياتى والاندماج بالجنة ... فكل لمسة للفنجان كانت تتحرك على وجنتيّ وكل قطعة سكر سقطت فى حلمى وكل لفتة كانت إعلاناً للحب ... وأخيراً اقترب منى أكثر ... فأكثر ... فأكثر ... ظننت أن الموسيقى أفشت سرى ... لكنه توجه نحو الباب ولم يكترث ... مر كبرق أشعل السماء ثم رحل مخلفاً ليلاً رطباً بالذكرى ...

توقفت فجأة عن العزف ... ادعيت أن صداعاً أصابنى ... وحين التفتت للصالة وأنا راحلة ... بدا أن أحداً لا يهتم بقطعة الديكور التى غادرت ... وغاص قلبى فى حقيقة أن كل من يأتى هنا لا يرى سوى قطعة ديكور ... أداة للمتعة ...

أطرقت حتى انتشلتنى ابتسامته الحذرة فجأة على باب المقهى ... لم يكن أحد سوانا يعرف أننا تبادلنا أرقام الهواتف لأننا وجدا الحلم الضال ... فكل من سمعنا فهم أن شاباً يطلب من عازفة البيانو أن تحيى حفلاً ... كم من القصص تبدأ بحجة البزنس ؟! وصافحته ... ترى هل أحس بذات احساسى ؟!!

 ---------------------------------------
يارب تعجبكم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق