الثلاثاء، 20 أغسطس 2013

الوالدان .... المدرسة الأولى


يعتبر الأب أو الأم المعلم الأول و الأكثر أهمية في حياة الطفل، و ربما لا يرى الكثير من الآباء و الأمهات أنفسهم كمعلمين و مثقفين لأبنائهم، و لكن في الحقيقة هم يقدمون بشكل مباشر أو غير مباشر منهاجا دراسيا أساسيا و بعيد المدى على صعيد البيت و الأسرة، إن الوالدين يعلمان الصغير كيف يثق بنفسه و بالناس ، و كيف يعتمد على نفسه و محيطه و بيئته البشرية و المادية، و كيف يتعايش مع الظروف و مستجداتها، و مجموع ذلك هو أساس كبير التأثير في مستقبل الطفل ككل و بمجمل علاقاته الشخصية.
     القضية أبعد حتى من سلوك و عملية تقليد سلوك رغم أن هذا على غاية الأهمية ، و لكن الأمر أعمق من ذلك بكثير، فالوالدان لا يعلمان طفلهما رمي الكرة على سبيل المثال بل ينقلان له أفكارا حول الرياضة و الرياضيين، و مبادئ حول ضرورة الرياضة و ما تحمله من مضامين تشتمل على العدل و الإنصاف و التعاون و التنافس نحو الأرقى و الأفضل بكل روح مرحة و نفس أبية و لكنها متفاعلة تؤثر و تتأثر بما حولها.
     إن الوالدين اللذين يقرأان لأطفالهما يحثانهم على القراءة و المطالعة أكثر بكثير من أولئك الذين يتوجهون بالأمر أو النصيحة للطفل على شكل: " اذهب و اقرأ"، بينما الأب أو الأم أو كلاهما في هرج و صخب، و ربما كان لعب الورق أو مشاهدة التلفاز يسيطر على تفكيرهما، كما أن الوالدين اللذين يشرحان للطفل و يعلمانه هما يقومان بدور تعزيز تطور اللغة ، و يخدمان كنموذج مثالي و واضح و صريح للأطفال، و يقدمان مقومات موضوعية لطرق حل المشاكل ، أما اللذين يبديان انفجارات عدوانية و اهتياجية استجابة لحدث ما أو لإحباط بسيط أو فشل طفيف فإنهما يمثلان نموذجا سلوكيا خاطئا تماما، و في علم النفس يصنف ذلك ضمن السلوكيات الزائفة.
     إن عملية انتقال الثقافة بين الأجيال يصفها البعض على أنها نوع من المغامرات الثقافية، و في ذلك بعض الصحة لأننا لا نعرف نتيجتها خلال تقديمها سواء سلبا ، أو إيجابا ، فالوالدان خلال هذه العملية لا يقدمان فقط المعلومات و النصائح و الأفكار و لكن أيضا ينقلان قيم أسرهما و ثقافاتهما، و الأطفال كطلاب في المنزل يمكن أن يكونوا راغبين في تلقي ذلك، أو غير قاصدين لهذا التلقي ، أو مقاومين له.
     يميل بعض أولياء الأمور لأن يكونوا جاهلين أو مستخفين بدورهما الثقافي، مرجئين الأمر لمعلمي المدرسة لاحقا باعتبارهم مهنيين يعلمون و يعلّمون أكثر  و بشكل أفضل ، لقد شددت برامج الثقافة في السنوات الأخيرة مدعومة بالفعاليات الإجتماعية و التربوية على أهمية المهارات التعليمية للوالدين في أدوارهما الفعالة الطبيعية و في الميدان المعرفي كذلك، مع ضرورة تقديم الدعم و التدريب الملائم لهما بحيث يتعلمان استخدام مواهبهما كمعلمين لتطور اللغة في برامج الرضع و الأطفال الصغار، و حتى كمعالجين في عملية التدبير السلوكي للأطفال الذين لديهم أنماط معينة من المعاناة السلوكية، و لا ننسى أن دورهما كبير في مجالات أخرى كثيرة تشمل نفسيهما و أطفالهما.
     من حق الأهل أن يشتكوا أنهم إنما يتلقون تحضيرا قليلا أو معدوما من أجل هذه الأدوار الثقافية المركبة و هذه العملية التربوية الهائلة الأهمية، مع أن هذه الأدوار لا تقل أهمية عن الوظائف الغذائية و الإقتصادية لأي أب أو أم ، و هنا يلزم أن نصرح بضرورة أن يقوم المجتمع بأعبائه تجاه كل أفراده و أسره، إن معظم الناس يعلمون كيف يمكن أن يكونوا آباء أو أمهات بدءا من تجاربهم و علاقاتهم مع ذويهم، و من خلال العناية بالأشقاء الأصغر سنا فيما مضى، و لكن التبدلات الإجتماعية و الثقافية و الحضارية قد جعلت هذه التجارب محدودة في عصرنا على الأقل بالنسبة لشريحة لا يستهان بها من البشر، كما أن علينا أن نعترف أن هناك نماذج سيئة للتكيف ، و حالات متضاربة يمكن أن يتم تعلمها من الوالدين و تنتقل عبر الأجيال مثلما تنتقل الإيجابيات، إن أطفال شخص سيء على سبيل المثال سيكون لديهم معاناة من نوع خاص على سبيل المثال إلا في حال تدخل ظروف و شروط أخرى تعدل الأمر نحو الأفضل - بإذن الله -.
     هناك مبادئ تضفي جمالا أكبر غلى عملية قيام الوالدين بدور المعلم في تهذيب و تثقيف الطفل، فعلى الوالدين أن يساعدا طفلهما على تلقي الإعجاب و تقدير قيمة التعلم من خلال نتائج سلوكه، و ذلك عبر تمييز السلوك الحسن و تقديم المكافآة من أجله، و توضيح عدم الإستحسان للسلوك غير المقبول، كما يجب أن يفهما بوضوح الفرق بين الإيلام و الإزعاج البسيط كعقوبة و بين الإنتقام الذي يؤذي الطفل بشدة، و أن تكون العقوبة لتعليم الطفل قبل أن تكون لعقابه، إنهما بحاجة لمعرفة كيف يقاومان استخدام القوة و السلطان لمجرد أنهما قوة و سلطان، فالهدف تثقيف و تهذيب و تنوير للطفل قبل كل شيء.
     على الوالدين مقاومة الميل لإذلال الطفل و الحط من قدره حتى لو خالفت سلوكياته رغباتهما، و خصوصا أمام أخوته و أمام الآخرين، و حل هذه الإشكالية يأتي بالحكمة و الخصوصية، كما أن عليهما نقد و فهم تجارب طفولتهما الذاتية و تهذيب نفسيهما أولا ، و تمييز السلوك و المواقف التي تمثل بقايا غير معقولة و غير واقعية مثل التوقعات المفرطة بمطالبها و الإعتماد على الدكتاتورية و السلطة المستبدة المطلقة لتحقيق الإنضباط، أو الميل للإنفجار و الغضب و استخدام أساليب تحط من قدر و معنويات الطفل و تذله استجابة لتصرف معين، كما عليهما عدم الركون للتردد و عدم الإفراط بالعطف و الدلال فهذا أيضا غير مناسب و غير ملائم لأنه يفقد التهذيب ثباته و متانته و انسجامه، و نقطة أخرى هي النقاش الموضوعي المفيد بين الوالدين لتحقيق الإنسجام و التناغم بين أفكارهما حتى لا تنعكس تناقضاتهما على ذريتهما.
     لقد أدخلت بعض الأمم دروسا حول الأبوة و الأمومة لمناهج المدارس حتى العالية منها ، و مهما كان التخصص فيها، و سيصبح مفيدا أكثر لو أعطينا أطفالنا خلال سنوات المدرسة تجارب و خبرات تستند على العلم و المعرفة و العادات الإجتماعية الفاضلة و الأخلاق الحميدة، و ذلك بخصوص العناية بالأطفال و الدور المستقبلي الذي ينتظرهم، و العلم في الصغر كالنقش في الحجر.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق